الاثنين، 12 سبتمبر 2022

تضخيم الحب

في الأزمنة المعاصرة وفي ظل الترويج لأنماط حياتية مزيفة، تم تضخيم قيمة الحب وجعله هو الأساس الذي تقوم عليه العلاقات، حيث صُورت العلاقات الزوجية التي لا يتخللها هذا الحب، كعلاقات فاشلة ومملة ولا تطاق.. وهذا التصور الهوليودي واقعيا تصور متهافت لا زالت التجارب تكذبه مرة تلو المرة.

إذا أخذنا الحب من منظور محدد -وهو المنظور الشائع- أي الحب كميل عاطفي شديد وهيام وولع بالمحبوب.. فإن هذا وإن كان موجودا في مختلف العصور وهو بلا شك دافع حقيقي للارتباط في الآخر وقبوله.. إلا أنه لم يصبح قيمة مركزية وحيدة وشرط ضروري لنجاح العلاقات إلا في هذا العصر الحديث.

بينما تجد قيم مركزية أخرى مثل المروءة والوفاء وحسن المعاشرة وتحمل المسؤولية لم تعط هذا القدر من التضخيم.. مع أن هذه القيم هي أقدر على حفظ العلاقة وإنجاحها من العلاقات التي تنبني على مجرد الحب. فالحب في النهاية هو عاطفة، والعاطفة بطبيعتها غير مستقرة  وبناء العلاقة على قيمة غير مستقرة هو بناء هش وآيل للسقوط، يقول الفيلسوف الفرنسي لوك فيري في هذا المعنى : "وهذه مفارقة الزواج المبني على الحب: إنه يبدو حاملا في داخله منذ البداية أسباب فسادة". ويعني فيري أن اعتماد العلاقة على مجرد عاطفة الحب ليست ضمانة على بقائه بل العكس.

وسبب هذا التضخيم المعاصر لقيمة الحب يعود إلى أمور كثيرة، منها شيوع القيم الفردانية المبنية على مجرد المتعة، فيصبح الحب حينها قيمة مرغوبة ضمن قيم أخرى كثيرة الغرض منها تحقيق المتعة والإشباع اللحظي.. ولا يهم إن كان هذا الحب يعتمد على قيم أخرى أعمق من مجرد هذه العاطفة.

ولا شك أن الانتباه لهذا التضخيم الحاصل للحب، يحفظ كثير من العلاقات المستقرة من التدهور. فتحت ضغط الترويج لحالات الحب الاستعراضية التي تُبث عبر الأفلام والمسلسلات وحياة المشاهير، يشعر بعض الأزواج بأن ثمة شيء ما مهم ومفقود في حياته، ويظن أن هذا الشيء هو سبب تعاسته، وهذا وهم، والصحيح أن الحب والميل العاطفي وإن كان دافعا ضمن دوافع أخرى لدوام العلاقة الزوجية، وهو بلا شك ميل يجب أن يراعى ابتداء، إلا أن فقد هذا الميل لا يعني نهاية كل شيء، بل قد يغيب هذا الجانب وتنجح العلاقة أكثر من أن يحضر الحب وتُفقد القيم الأخرى، فما الفائدة إذا حضرت العاطفة وغابت الأخلاق والمروءة وحسن المعاشرة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق