أكثر ما يعزز الباطل، ليس الترويج له، إنما تمريره كشيء عادي، كأمر لا يستحق الوقوف والالتفات.. الترويج الصريح للباطل يجعل المتلقي في مواجهة معه، فهو إما يقبله أو يرفضه، لكن في الحالتين هو ينتبه لوجوده، ففي هذه الحالة على الأقل يكون الباطل مسألة مطروحة أمام الوعي.. أما في حالة عرضه كشيء جانبي، شيء غير منتبه له، هنا يؤخذ الباطل كأمر مسلم به، أمر بديهي لا يستحق حتى أن يدور حوله نقاش.. إن خطورة هذا العرض الهامشي للباطل، أنه يمرر الباطل إلى اللاوعي مباشرة دون المرور بالوعي، فلا يُفحص الخطأ ولا يُساءل إنما يقبل مباشرةً دون شعور.. ومن يلاحظ طريقة ترويج الشذوذ في أفلام السينما، يجد أغلبها تتخذ هذه الطريقة غير المباشرة في الترويج.. فقلما تجد أفلاما تطرح أفكارا واضحة تدعو إلى تقبل الشذوذ، إنما يكون ترويجهم مدسوسا ضمن حبكة درامية لا تركز بالضرورة على الشذوذ، إنما تكون فيه العلاقات الشاذة مسألة جانبية، مسألة لا تستحق أن يقف عندها المشاهد أو ينشغل بها، قصة عابرة ليس المطلوب منها أن تلفت نظرك، إذ هي لا تخاطب وعيك، لكنها مع ذلك تركز على شيء آخر، إنها تركز على لاوعيك.. لا يريد مروجو الشذوذ في الأفلام أن يؤثروا على عقلك، إنما يريدون في المقام الأول التأثير على ذوقك، على نفسيتك ومزاجك، وحينما تتقبل نفس الإنسان رؤية الشواذ ويتطبع ذوقه مع وجودهم، سيسهل إقناعه لاحقا بصحة أفعالهم وممارساتهم، أو على الاقل لن يتشدد في رفضهم ولن يشمئز من سلوكهم.. حينما يكتب أحدهم متقبلا فكرة الشذوذ: "عادي خلوهم ما ضروا أحدهم" ، فاعرف أن لفظة "عادي" هنا تشكلت وفق رحلة طويلة، لم يصبح العادي عاديا في ذهن هذا القائل إلا بعد ترويج طويل قُدّم فيه الشذوذ في صورة العادي. ليس الشذوذ سوى مثال شهير لهذا التمرير الخفي للباطل، بينما الأمثلة لا تحصر.. تأمل النكت / الميمز / السوالف ، التي تأتي في داخلها المحظورات كأشياء لا ينبغي أن تلفت النظر، فالهدف الأساسي مثلا من النكتة أن تضحك منها فقط، ولا تشغل نفسك بمسائلة مضمون الممارسة القابعة في داخلها، هل هي مقبولة أو لا.. وهذا هو مكمن الخطورة، أن هذا التمرير غير المباشر هو أصلا يقدم لك الأفكار على أنها مقبولة من البداية، فقبولها شيء منتهي، وما عليك سوى أن تقبلها أنت دون اعتراض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق