الاثنين، 12 سبتمبر 2022

العداوة بوصفها تبعية

 العداوة لفرد أو تيار أو فكرة، إذا زادت عن حدها تنقلب في عمقها إلى النقيض، فتصبح تعلق وارتباط وعدم قدرة عن الانفكاك عن هذا المعادى.. ومثلما يفعل الحب الشديد والتماهي مع شيء، كذلك يفعل البغض الشديد والعداوة المتطرفة.. كلاهما يسيطر على تفكير المرء ويتحكم بنمط تفكيره وتشكيل قناعاته.. وإن كان التماهي تقليد محض، وبالتالي هو تبعية للمحبوب، فالعداوة المتطرفة كذلك هي نوع من التبعية للعدو.. حينما لا يُعرف الإنسان إلا بوصفه خصما لهذا الشيء أو ذاك، ويصبح نقد هذا الشيء ومناكفته ومعاندته سمة لازمة لهذا الانسان، فقد صار في النهاية مجرد تابع وأسير لهذا الخصم.. تسلب هذه العداوة المتطرفة الإنسان ذاتيته، فلا يستطيع في هذه الحالة الانطلاق من رؤية ذاتية متحررة، فالخصم هنا هو حاضر دائما في الذهن، بالنظر إليه تتشكل القناعات ويسير نمط التفكير.. صحيح أن القناعات تكون في الغالب ضد قناعات الخصم، تنافره وتعانده، لكن يبقى ألا وجود لها إلا بوصفها ضد، فوجود هذه القناعة من البداية هو وجود تبعيّ غير أصيل.. من هنا فالتماهي مع الشيء أو التطرف في معاداته ينتهيان إلى نفس النتيجة: صعوبة الانعتاق من الآخر، وعدم القدرة على التفكير الحر وبناء الآراء المستقلة. 


ليست هذه دعوة مثالية لترك العداوات، فبعض الخصومات جديرة بالعداوة، والاشتباك مثلا مع الافكار الباطلة ومخاصمتها أمر مشروع بل وضروري.. ولكن هي دعوة للاقتصاد في العداوة، دعوةٌ لأن تعطى العداوة حقها من الاهتمام والرد، وليس أن تُعطى فوق حقها.. حين تكرس كامل وقتك للاصطراع والاحتراب مع فكرة أو شخص، فأنت تحصر نفسك في عالم ضيق، وتختزل نظرتك إلى العالم والأحداث حتى يصبح كل شيء منظورا إليه من نافذة هذه العداوة.. والأهم أن كثافة الصراعات تشغلك عن بناء عالمك، تشغلك عن أولوياتك وقضاياك الخاصة.. لا ينبغي أن يكون طرحك كله ردة فعل، وتذكر : حين تكون مجرد صدى لغيرك ستفقد مع الوقت أصالة صوتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق